قصة حرب البسوس كاملة: أسبابها وأحداثها ونتائجها في تاريخ العرب
مقدمة عن حرب البسوس
تحتل قصة حرب البسوس مكانة خاصة في ذاكرة العرب، فهي من أطول وأشهر الحروب القبلية في العصر الجاهلي، وقد دامت أربعين سنة كاملة بين قبيلتي بكر وتغلب.
ما يجعلها مدهشة أن سببها كان في الأصل بسيطًا للغاية: ناقة قتلت بسهم، لتتحول الحادثة إلى سلسلة من المعارك التي أنهكت الطرفين وخلّفت آلاف القتلى.
لكن دراسة قصة حرب البسوس ليست مجرد نبش في الماضي؛ بل هي فرصة لفهم طبيعة المجتمع العربي قبل الإسلام، حيث كانت العصبية القبلية أقوى من أي قانون أو سلطة.
وقد نقل لنا المؤرخون مثل ابن الأثير والطبري وابن قتيبة تفاصيل دقيقة عن هذه الحرب، بينما حفظ الأدب الشعبي قصصها وأشعارها، خاصة أشعار الزير سالم حرب البسوس، التي بقيت تتردد قرونًا طويلة.
ما هي قصة حرب البسوس باختصار؟
يُحكى أن العجوز البسوس بنت منقذ نزلت ضيفة عند ابن أختها جساس بن مرة من بني بكر. كانت لها ناقة ترعى قرب ديار كليب بن ربيعة، سيد قبيلة تغلب.
فلما رأى كليب الناقة اعتبر دخولها مرعاه تحديًا لسلطته، فأطلق عليها سهمًا فأصابها وقتلها.
صرخت البسوس منادية على جساس، وقالت قولتها المشهورة التي حفزت قلبه: “يا جساس، ذلّت ذلتك، وأُهين جارك”.
لم يحتمل جساس الموقف، وتربص بكليب حتى وجده وحيدًا، فطعنه برمح وقتله. كان هذا الحادث بداية حرب طويلة بين بكر وتغلب، سرعان ما عُرفت باسم حرب البسوس.
هذه القصة تكشف كيف يمكن لحدث بسيط أن يتحول إلى نزاع دموي إذا اجتمع مع روح العصبية القبلية والرغبة في الزعامة.
سبب حرب البسوس
السبب المباشر كان مقتل الناقة، لكن وراءه أسباب أعمق. فقد كان كليب، سيد تغلب، معروفًا بصرامته حتى قيل إنه كان يمنع الطير من التحليق في سماء قومه إلا بإذنه. كان يفرض سيطرته على موارد المياه والمراعي، ما جعل قبيلة بكر تشعر بالاستفزاز والتهديد.
ومن هنا، جاءت حادثة الناقة لتكون الشرارة التي أطلقت تراكمات قديمة، وبهذا يتضح أن سبب حرب البسوس الحقيقي لم يكن الناقة وحدها، بل تنافسًا طويل الأمد على السلطة والهيمنة بين بكر وتغلب، شبيهًا بما حدث لاحقًا في حرب داحس والغبراء التي اشتعلت بسبب سباق خيل بينما كانت في حقيقتها صراعًا على النفوذ.
لماذا سميت حرب البسوس بهذا الاسم؟
قد يتبادر إلى الذهن أن تُسمى الحرب باسم بطلها أو قائدها، مثل “حرب كليب” أو “حرب جساس”.
لكن الغريب أن العرب سمّوها باسم امرأة عجوز، هي البسوس بنت منقذ. السبب أن ناقة هذه المرأة كانت الشرارة التي أشعلت الصراع، فاختُصر اسم الحرب في رمزها.
ومنذ ذلك الحين، صارت البسوس مرادفًا للشؤم. حتى العرب كانوا يقولون: “أشأم من البسوس”، لأن صرختها أدت إلى حرب لم تُطفأ نارها إلا بعد أربعة عقود.
البداية والنهاية حرب البسوس
بعد مقتل كليب، اشتعلت الحرب بين بكر وتغلب. وتوالت الأيام والوقائع، ومن أشهرها:
- يوم الكلاب الأول والثاني: معركتان كبيرتان أظهرتا شدة بأس القبيلتين.
- يوم تحلاق اللمم: حيث حلق الرجال رؤوسهم علامة العزم على القتال حتى الموت.
- يوم عنيزة: الذي تغلبت فيه تغلب بقيادة الزير سالم، وصار مثالًا للشجاعة.
- يوم واردات: من أكثر المعارك دموية حيث سقط مئات القتلى.
استمرت هذه الوقائع عشرات السنين، حتى أنهكت الطرفين، في النهاية تدخلت قبائل أخرى مثل قيس وعبد القيس للوساطة.
وبعد وساطات طويلة، عقد الصلح، ليتبين أن البداية والنهاية في قصة حرب البسوس كانت مأساوية، فلا مكسب فيها سوى مزيد من الخسائر.
من هي العجوز التي تسببت في حرب دامت 40 سنة؟
العجوز هي البسوس بنت منقذ، خالة جساس، لم تكن مقصودة بإشعال حرب، لكنها لم تقبل بإهانة ناقتها. بعض الروايات تصفها بأنها كانت حكيمة، وأخرى تراها سببًا للشؤم.
لقد أصبحت البسوس رمزًا في التراث العربي لحروب تبدأ من سبب صغير، تمامًا كما نقول اليوم “القشة التي قصمت ظهر البعير”.
أبرز أبطال قصة حرب البسوس
هناك العديد من الشخصيات التي وردت أسماؤها في حرب البسوس، نذكر بعضا منها كما يلي:
كليب بن ربيعة
كان يُلقب بـ”ملك العرب” في زمانه، سيطر على الموارد وأقام هيبة عظيمة لقبيلته. مقتله غدرًا على يد جساس كان بداية الحرب وأهم منعطف فيها.
جساس بن مرة
فارس من بكر وابن أخت البسوس. حين قتل كليب صار رمزًا للغدر عند التغلبيين، لكنه عند قومه كان بطلًا انتصر لكرامة الجوار.
الزير سالم حرب البسوس
هو المهلهل بن ربيعة، شقيق كليب، وأشهر من قاد تغلب في الحرب.
ترك حياة اللهو والشراب بعد مقتل أخيه، وأصبح قائدًا محنكًا، وشاعرًا بليغًا، قصائده التي قالها في رثاء كليب وفي معارك الحرب لا تزال محفوظة حتى اليوم، مثل قوله في بيت شعري:
ذهب الخيار من المعاشر كلّهم … وأستبّ بعدك يا كليب المجلس
الحارث بن عباد
من فرسان بكر، حاول أن يبقى محايدًا، لكنه اضطر للدخول في الحرب بعد مقتل ابنه بجير، الذي أرسله وسيطًا. قيل عنه: “لقد جُررت إلى الحرب جَرًّا”.
ماذا قال الرسول عن حرب البسوس؟
النبي ﷺ لم يشهد حرب البسوس، فهي حدثت قبل الإسلام بقرون. لكن الإسلام جاء لينهي مثل هذه العصبيات. وقد ورد عنه قوله: “ليس منا من دعا إلى عصبية”، وقوله: “دعوها فإنها منتنة”.
لذلك اعتبر المؤرخون المسلمون حرب البسوس مثالًا للعصبية الجاهلية التي جاء الإسلام ليقضي عليها.
عدد قتلى قصة حرب البسوس
تفاوتت الروايات في تقدير عدد قتلى حرب البسوس، بعض المصادر ذكرت عشرة آلاف قتيل، وأخرى قالت عشرين ألفًا أو أكثر. الأكيد أن الحرب استنزفت معظم رجال القبيلتين.
وعند مقارنة هذه الأعداد مع حرب الفجار التي كانت خسائرها أقل بكثير، يظهر حجم الكارثة التي جلبتها حرب البسوس على بكر وتغلب.
من فاز في حرب البسوس؟
عند سؤال: من فاز في حرب البسوس؟ فالجواب الواضح: لا أحد، فالتغلبيون ربحوا معارك وخسروا أخرى، والبكريون كذلك. وبعد أربعين عامًا انتهوا إلى صلح لم يُشعر أحدًا بالنصر.
قال بعض المؤرخين: “خرجت بكر وتغلب من حرب البسوس كما يدخل السيل في الرمال، لا يُرى له أثر.” وهو تعبير يوضح أن الحرب لم تترك وراءها إلا الضعف والخسارة للطرفين.
ملخص قصة حرب البسوس
في خلاصة سريعة: قَتل كليب ناقة البسوس، فقتل جساس كليبًا، فاشتعلت الحرب بين بكر وتغلب أربعين سنة.
قاد الزير سالم جانبًا منها، وشارك فيها أبطال من الطرفين. انتهت بصلح، لكن بعد أن خسر الجميع رجالهم ومواردهم.
هكذا كانت قصة حرب البسوس مختصرة لكنها تحمل دروسًا عميقة.
قد يهمك: أشهر أسماء القبائل العربية.
نتائج قصة حرب البسوس على العرب
هناك العديد من الدروس والعبر التي نستقيها من قصة حرب البسوس، عبر نتائجها التي نذكرها أبرزها كما يلي:
سياسيًا
ضعفت بكر وتغلب معًا، وفقدتا نفوذهما بين القبائل العربية.
اجتماعيًا
تقطعت أواصر الدم والمصاهرة، وتحولت القبائل إلى معسكرات متناحرة.
اقتصاديًا
خسرت القبيلتان مواشيهما وتجارتها، لأن الرجال انشغلوا بالقتال بدل الزراعة والرعي.
أدبيًا وثقافيًا
ألهمت الحرب شعراء مثل الزير سالم والخنساء. كما أصبحت مضرب الأمثال، وموضوعًا للحكايات الشعبية، ودخلت حتى في الأدب المسرحي والروائي الحديث.
خاتمة عن قصة حرب البسوس
إن قصة حرب البسوس ليست مجرد قصة قديمة، بل مرآة تعكس طبيعة العرب في عصر الجاهلية. بدأت بسبب ناقة، لكنها استمرت أربعين عامًا وخلّفت آلاف القتلى، وانتهت بلا غالب ولا مغلوب.
ولعل أعظم درس من هذه القصة أن العصبية العمياء قد تدمّر الأمم، وأن الخسارة النهائية تقع على الجميع.
ولهذا بقيت قصة حرب البسوس حاضرة في الذاكرة العربية كعبرة وعظة، تذكّر الأجيال بخطورة أن تقاد المجتمعات إلى الصراع بسبب أسباب تافهة.
 
								


 
                                     
                                     
                                     
                                     
                                     
                                     
                                     
                                     
                                     
                                    
إرسال التعليق